وُلد زردشتياً، وكان يعمل في الخراج الملوكي الساساني. عمل أولاً في المناطق الريفية ثم انتقل منها الى المدائن. وفيما كان يعبر دجلة ذات يوم، التقى على متن قارب كان يقلّه، طالباً دينيّاً مسيحياً وعامله معاملة خشنة إذ أكرهه على النزول من المُعدّية.
فتوقّفت المعدّية مرتين وسط النّهر، ولم تتمكن من الإقلاع إلا بعد أن سُمح للطالب بالركوب. دُهش الزّردشتي من طول أناة الطالب المسيحي ودار بينهما حديث أدى الى البحث في المسيحية ثم الى طلب اقتبال المعمودية. وما لبث أن دخل آبا مدرسة نصيبين مع رفيق له يدعى أمعنا الذي أصبح فيما بعد أسقفاً على أرزن، قبل أن يسافر الى بلاد الرّوم ويقيم في الرّها حيث التقى بـ”أخ” يدعى توما تعلّم على يديه اليونانية ولازمه من يومها. وذُكر أيضاً أنّه سافر الى مصر واليونان والقسطنطينيّة حيث مكث عاماً ورغب الإمبراطور في أن يراه. ثم سافر الى كيليكية حيث أقام سبعة أشهر يصنع السلال ليكسب قوته. في خلال هذه الرحلة التقى أيضا بالرّحالة كوسماس أنديكوبلوستاس. في غضوم ذلك، كان شيلا جاثليق كنيسة بلاد الفرس قد توفّي (523) وأثارت خلافته تنافساً بين نرساي وإليشاع ممّا أدى الى وقوع انشقاق.
في العام 540 كان آبا قد استأنف ممارسة التّعليم في مدرسة نصيبين. ووقع عليه الاختيار ليتولّى الجثلقة. فبذل ما في وسعه لإصلاح الكنيسة والحدّ من آثار الانشقاق لذلك راح يجول في جميع الأبرشيات التي كانت الضّرورة تدعو لزيارتها، يرافقه فيها ثلاثة مطارنة (متروبوليت) وعدد من الأساقفة. لا تزال وقائع هذا المجمع المتجوّل محفوظة، ومثلها بعض الرّسائل المتعلّقة به. جاءت رسالته الثانية حول “استقامة الايمان” والثالوث والمسيح قويمة جداً. وقد استند إليها لاحقاً عبد يشوع النصيبي في القرن الرابع عشر، نزولاً عند رغبة الجاثليق يهبالاها الثالث، لوضع كتاب اللؤلؤة (الجوهرة) الذي يعتبر حتى اليوم المرجع اللاهوتي الرسمي لكنيسة المشرق الآشورية.
في غضون ذلك كانت أخبار المجوس الذين اهتدوا على يده والاصلاحات التي تتعارض مع العادات الفارسية (ولا سيّما تحريم الزواج بين الأقارب) تثير عليه حفيظة الرؤساء الدينيين الزردشتيين الذين ناصبوه العداء ولاحقوه بوشاياتهم مدة ثلاثة أعوام، إلا أنّهم لم يفلحوا في اثارة غضب الملك كسرى الأول أنوشروان عليه، نظراً لما كان يكنّه لهذا الحبر من مودّة.
ولكن وجه التهمة، وهو الجحود بالدّين الرسميّ، غلب وأتاح للمويذان (الكاهن الزردشتي الأكبر) دادهرمز أن يقنع الملك، على الرغم من حماية مسيحيّ نافذ في البلاط الملكي يدعى بروداق. وعليه بدأت المحاكمة التي استغرقت سبعين يوماً، كان من خلالها المدّعون والمدّعى عليه يواكبون الملك وجيشه في تنقلاتهم.
قضى الحكم الملكيّ، الذي ردّ مطالبة الموابذة بحكم الاعدام، بنفي آبا الى آذربيجان حيث بقي سبعة أعوام. غير أن هذا النفي لم يكن قاسياً، إذ كان يسمح للجاثليق باستقبال زائريه ومتابعة القيام بمهامه الكنسيّة، بما فيها رسامة الأساقفة.
واتّفق أن حصل أحد رعاياه المتمرّدين، وهو بطرس أسقف جرجان المعزول، من الكاهن الزردشتي الأكبر على مرسوم يلغي جميع القرارات التي كان قد اتّخذها المجمع المشار اليه. ولكن الجاثليق تمكّن مرة أخرى من أن يخذل الجاحد الذي عزم عندئذٍ على اغتياله.
بين 549 و550 غادر الجاثليق أذربيجان، مخالفاً بذلك القرار الملكيّ، وقدم العاصمة ملتمساً الحماية من الملك كسرى، الذي لم يغضب من الجاثليق هذه المرة أيضاً، بل أوفد اليه أحد أعوانه يسأله تأدية الحساب عن تصرّفه هذا. إثر ذلك، وعلى الرغم من كل الاعتراضات المطالبة بإعدام الجاثليق، وافق الملك كسرى على وضعه في الأغلال في سجن القصر الملكيّ حيث مكث من شتاء 550 الى ربيع 551.
وإذ رفض آبا أن ينصاع لطلب المجوس بتوقيع تعهّد يلزمه بعدم قبول المزيد من المرتدّين عن دينهم الرسميّ، فقد سيق في حملتين عسكريتين، وهو مكبّل بالأغلال، على الرغم من أمر الملك بفكّ قيوده.
وما أطلق سراحه حتّى كان يقع في مكيدة أخرى دبّرها أعداؤه. وكان ذلك في سنة 551 حين قام بعض المسيحيين في خوزستان بمساندة أنوشزاد ابن كسرى. الذي كان يدين بديانة أمه المسيحية، وأعلن العصيان على والده.
وفي العام 552 توفي آبا ودفن في العاصمة وهو يحظى باحترام الجميع. بعد مدة من الزمن، أذن لسادات النصارى العرب في الحيرة (وكان آبا قد استقبل قبل ذلك الملك المنذر اللخمي الوثني الذي وفد على كسرى مسلّماً) بأن ينقلوا جثمانه الى مدينتهم حيث وضع في دير بناه تلميذه .خلفه على الكرسي الجثلقيّ حزقيال (567 -581 ) الذي سجل أول قرار “باعلان قداسة” شخصة مال، وعيّن تذكار سلفه في لائحة أسماء القدسيين في يوم الجمعة السادس من عيد الدنح.
شاهد أيضاً
قداسة البطريرك الشهيد القائد مار إيشاي شمعون
نبذة عن حياة ونشأة الشهيد مار ايشاي شمعون ولد قداسة البطريرك مار إيشاي داوود شمعون …