بعد زهاء قرنين على بدء النهضة العربية، لا يمكن القول إن العرب هم اليوم إزاء دولة حديثة، حتى في الحد الأدنى من معايير الحداثة. فثمة إشكال تاريخي متماد يطاول البنية العربية في كل مظاهرها السياسية والتنموية والاجتماعية والثقافية والفكرية. لا الإنسان العربي استطاع أن ينتج بنفسه مقومات وجوده المادي، ولا هو استطاع أن يشارك في ثورة الحداثة العلمية والتقنية، ولا هو تمكن من أن يبني دولته الوطنية الصلبة غير المهددة من داخلها بتكويناتها القبلية أو الطائفية أو الإثنية.
أما الوجه الأبرز لهذا الإشكال فيتجلى في رأينا في ثالوث مقيت يمتد من التخلف التنموي الى تردي حال المرأة العربية مروراً بالإخفاق العلمي العربي. أول هذا الثالوث هو التخلف التنموي الذي أشارت اليه تقارير التنمية البشرية منذ 1990 الى الآن. ففي مقابل النهضة الاقتصادية والإنتاجية المعرفية في العالم المتقدم، لا يزال العالم العربي يواجه عثاراً تنموياً على رغم الإنجازات النسبية.
فقيمة دليل التنمية البشرية في العالم العربي في 2015 بلغت 0.687، وهو رقم متواضع قياساً الى العالم المتقدم (0.892) وحتى بالقياس الى عدد كبير من الدول النامية كالبرازيل (0.754) أو كوبا (0.775) أو سري لانكا (0.766). أما إذا قارنا بين الدول العربية ذات الثقل السكاني والدول المتقدمة التي تأخرت عن العرب في تواصلها مع الحداثة، فنرى أن قيمة دليل التنمية هي 0.689 لمصر و0.647 للمغرب و0.482 لليمن و0.490 للسودان و0.649 للعراق، قياساً الى اليابان (0.903) وكوريا الجنوبية (0.901) وإسرائيل (0.899) والأرجنتين (0.827)، الأمر الذي يؤكد حيوية هذه الأمم ودأبها من أجل التقدم مقابل تباطؤ العرب ومراوحتهم اللامجدية حول إشكالياتهم التاريخية وأسئلتها المستعادة التي ما برحت تحاصر الفكر والمجتمع العربيين منذ القرن التاسع عشر.
ثاني هذا الثالوث يتمثل في إخفاق العرب في الانخراط في الثورة العلمية المعاصرة وإبداعاتها المعرفية والتقنية، حيث أشار تقرير المعرفة العربي للعام 2014 الى تردي البحث العلمي وضآلة الابتكار في العالم العربي على رغم الازدياد المتسارع في عدد الجامعات العربية الذي ارتفع من 233 جامعة في 2003 الى 286 جامعة في 2006 الى 500 جامعة في 2012. لكن، على رغم كل هذا التوسع الكمي، لم تدرج جامعة عربية في لائحة الـ 500 الأبرز في العالم، ولم تترك دورية علمية أو جمعية علمية عربية واحدة أي أثر في الأدبيات العالمية، كما أن هناك عالماً واحداً فقط من بين أفضل 100 عالم من حيث عدد الاقتباسات ينتمي الى المنطقة العربية.
وبينما هناك 220 ألف أستاذ جامعي، فإن عدد الباحثين المتفرغين لا يزيد عن 373 لكل مليون من السكان، في حين أن المتوسط العالمي يبلغ 1081 باحثاً، ويصل الى 236 في الأرجنتين و2800 في إسبانيا والى أكثر من 3655 في البلدان المتقدمة، وأكثر من 580 في الدول النامية. وعليه، فإن نصيب العرب من البحوث هو 41 لكل مليون من السكان مقارنة بمتوسط عالمي 147 بحثاً. وتبقى براءات الاختراع العربية في خلال نصف قرن (1963 – 2013)، 1821 براءة مقارنة بـ118443 لكوريا و375692 لألمانيا. وفي حين تنفق كوريا 4.04 واليابان 3.39 في المئة من الناتج الإجمالي على البحث والتطوير، تنفق مصر 0.43 فقط.
تُرجم هذا الإخفاق العلمي في هجرة العلماء العرب، إذ تبين الدراسات أن هناك الملايين من هؤلاء يساهمون في نهضة الغرب العلمية. وبينما تمكنت الهند والصين من الاحتفاظ بعلمائهما وأفلحتا في تكوين كوادرهما المعرفية، حيث لم تتجاوز نسبة العلماء المهاجرين الـ3 في المئة في الصين والـ3.43 في الهند، نجد أن نصف علماء لبنان في الخارج، وأن 120600 باحث عربي يدرسون في الخارج مقابل 106000 صيني و52000 هندي.
أما ثالث الثالوث الإشكالي فيبقى التردي المتمادي في واقع المرأة العربية، على رغم انقضاء زهاء قرنين على خطابات الإصلاحيين العرب بهذا المعنى.
لكن على رغم كل تلك الدعوات الإصلاحية، وبعد كل القفزات المعرفية الهائلة في عالمنا المعاصر، لا تزال المرأة العربية الأكثر أمية، والأقل مشاركة في العمل، والأقل دخلاً، حتى بالقياس الى الدول النامية. فوفق تقرير التنمية البشرية 2016، بلغت قيمة التنمية البشرية للنساء في العالم العربي 0.621 مقابل 0.881 للعالم المتقدم. أما دخل المرأة فهو الأضأل في العالم حيث يفوق دخل الرجل أكثر من 4 أضعاف دخل المرأة، كما أن دليل الفوارق بين الجنسين هو الأعلى 0.535 مقابل 0.174 للعالم المتقدم و0.469 للدول النامية، فيما مشاركة المرأة العربية في العمل هي الأضأل في العالم 22.3 مقابل 56.5 في العالم المتقدم و48.7 في الدول النامية. لكن الإشكال الأكثر نتوءاً أن تظل أكثر من 34 مليون امرأة عربية عام 2012 أميات.
كرم الحلو
الوسوم2017 Article assyrian assyrian article assyrian articles lebanon magazine magazine assyrian melta melta magazine news opinion
شاهد أيضاً
جَهلُنا “المقدَّس” !
عيسى مخلوف الدين المفترض أن يكون تسامحاً ورحمة تحوّل عند فئة متزايدة من الناس إلى …