نبذة عن حياة ونشأة الشهيد مار ايشاي شمعون
ولد قداسة البطريرك مار إيشاي داوود شمعون في السادس و العشرين من شباط من عام 1908 في قرية قوجانس بجبال هكاري في اعالي بلاد ما بين النهرين من أب موقر هو القائد الاشوري داوود ايشاي شمعون والذي تقلد عدد من نياشين واوسمة الشرف والشجاعة والبطولة إبان الحرب العالمية الأولى وهو أخ البطريركين الشهيد مار بنيامين و مار بولس شمعون أما والدة البطريرك مار إيشاي شمعون فكانت السيدة الفاضلة استر بيت مطران .
نشأ قداسة مار ايشاي شمعون و ترعرع في بيئة دينية و قومية مثالية ونموذجية و تتلمذ اللاهوت على يد الارشمنديريت ياقو توما أشيثا و مار يوسب خنانيشوع ففي عام 1920 وسط ظروف مأساوية وصعبة ومعقدة لامتنا الاشورية خاصة في مرحلة الانتقال والتهجير الجماعي لشعبنا من اورميا إلى همدان في ايران ومن ثم الى مخيم بعقوبة في العراق حيث في هذا المخيم تم اختيار وانتخاب البطريرك مار ايشاي داود شمعون من قبل ماليك ووجهاء الامة ورسم بطريركا في كنيسة مارت مريم في المخيم من قبل نيافة المطران مار يوسف خنانيشو خلفا لعمه البطريرك المتوفي عام 1920 مار بولس شمعون ليتقلد الكرسي البطريركي وعمره 12 سنة وفقا لنظام حارس الكرسي وليكون البطريرك التاسع عشر بعد المائة في كنيسة المشرق الاشورية والبطريرك الشمعوني الثالث و العشرين و الأخير .
كفاح البطريرك مار ايشاي شمعون من اجل حقوق الامة الآشورية
بعد أربع سنوات من رسامته قصد مار ايشاي شمعون بريطانيا لإكمال مسيرته التعليمية حيث أنهى دراسته في جامعة كامبرديج وعاد إلى العراق عام1927 ليدافع عن مصالح أمته وشعبه الجريح ففي عام 1932 وبعد حصول العراق على الاستقلال الصوري من بريطانيا تفاقمت قضية امتنا وشعبنا فبدلاً من حلها في اجتماعات عصبة الأمم المتحدة المنعقدة في جنيف استطاع البريطانيون تمرير قرارات في هذه الاجتماعات من دون الاشارة الى حقوق امتنا الاشورية وهنا جدير بالاشارة ان البطريرك مار ايشاي شمعون اثناء انعقاد اجتماعات عصبة الأمم المتحدة في جنيف كان متواجدا في جنيف على امل ان يشارك في هذه الاجتماعات لكن المساعي البريطانية السلبية نجحت بمنعه من المشاركة فأبدى امتعاضه برسالته شديدة اللهجة والمؤرخة في 16 كانون الأول 1932 الموجهة إلى لجنة الطعون الدائمة في عصبة الامم استنكر فيها ما أقرته وتعمدها اهمال حقوق امتنا وشعبنا مبيناً أن القرار المتخذ لا يتطابق مع التوصيات المقدمة من قبل اللجنة سابقا ً و أن القرار الأخير لا يضمن أمن و مستقبل شعبنا وامتنا وهذا ما نرفضه .
استدعاء قداسته من جنيف الى بغداد من قبل الحكومة العراقية
على اثر المساعي الدبلوماسية لقداسة مار ايشاي شمعون في جنيف وبتحريض من الحكومة البريطانية استدعى قداسته من قبل الحكومة العراقية على عجل للاجتماع بوزير الداخلية في بغداد حيث لم يكن يدري قداسته بأن هناك مؤامرة خبيثة ومسمومة تحاك ضده وضد شعبه وأمته غادر البطريرك جنيف متوجها ً إلى بيروت و منها إلى دمشق ثم الى بغداد حيث التقى مع وجهاء وماليك شعبنا وامتنا في سوريا و أعلمهم بنتائج مباحثات في جنيف ثم وصل إلى بغداد في الثالث من كانون الثاني 1933 وانتظر ستة ايام لمقابلة وزير الداخلية العراقي كنوع من الحرب النفسية الاستفزازية !!
ولدى لقاء قداسته وزير الداخلية العراقي بين له الوزير عدم رضى حكومتة عن تصرفاته ونشاطاته وطروحاته الاشورية وطلب منه التنازل والتخلي عن مركزه الدنيوى وزعامة الاشوريين وحقوقهم ونظم الوزير مذكرة لقداسة مار ايشاي شمعون للتوقيع والتنازل عن مركزه الدنيوي وزعامة الامة وحقوقها !! هيهات هيهات .. رفضها قداسته بكل اباء وشموخ وتحدي كما يرفض الرجال الاشداء المؤمنين بقضيتهم العادلة بقوة وشجاعة لا تلين وثقة وايمان ولم يوقعها فمنع قداسته من السفر الى الموصل ودهوك ووضع تحت المراقبة الجبرية وبعدها تم اعتقاله حيث اتهم بمساعدة ومساند ما سمته الحكومة التمرد والعصيان الاشوري الذي اتهم به الملك ياقو وملك لوكو واتباعهما في دهوك .
حجز واعتقال البطريرك مار ايشاي شمعون في بغداد ومحاولة اغتياله
تم محاصرة دار قداسته في بغداد من قبل الامن والشرطة ووجهت له تهديدات صريحة بتصفيته اذا لم يمتثل لاوامر وقرارات الحكومة العراقية ومستشاريها من البريطانين لكن البطريرك مار ايشاي شمعون لم يهتم بتلك التهديدات لايمانه المطلق بقضية شعبنا ولم تثنيه تلك التهديدات عن عزمه في الدفاع والمطالبة بحقوق شعبنا وامتنا المشروعة امام هذا الموقف القومي الشجاع والثبات المبدئي انطلقت الحرب الدعائية والاعلامية المسمومة والملفقة والكاذبة من قبل المستشارون الانكليز والحكومة العراقية في مناطق ومدن وقرى محافظات الموصل ودهوك وكركوك واربيل اضافة الى مركز بغداد لتشوية سمعة البطريرك و أنصاره ومؤيده …
ان احتجاز واعتقال البطريرك ما ايشاي شمعون ببغداد بتاريخ 22 أيار 1933 و منعه من السفر الى الموصل ودهوك للتشاور مع الوجهاء والماليك من ابناء شعبنا بخصوص قضيتنا وحقوقنا كان الهدف منها لكسر معنويات القوات الآشورية انذك وذلك بفصلهم عن قائدهم لكن الحكومة العراقية رضخت بعد شهر تقريبا من الاحتجاز والاعتقال نتيجة ضغط شارع شعبنا فسمحت للبطريرك بالسفر حيث بتاريخ 29 حزيران 1933 قدم قداسته احتجاجا في اثنتي عشرة سفارة أجنبية معتمدة في العراق ضد المحاولات الدعائية الملفقة والمعادية لقداسته والحقوق الاشورية والتي تقودها الحكومية العراقية ومستشاريها إلا أن هذه السفارات لم تكترث لرسائل الاحتجاج وعلى إثرها تعرض قداسته لمحاولة اغتيال من قبل السلطات العراقية أفشلتها المعلومات التي تسربت الى ابناء شعبنا حيث فضح أمرها وافشلت المحاولة.
اما قبول شعبنا بخطة الحكومة العراقية او مواجهة الموت
على اثر اتهام ملك ياقو ملك اسماعيل وملك لوكو شليمون بالتمرد والعصيان اوعزت الحكومة العراقية الى امر موقع الموصل المجرم العقيد بكر صدقي لتهيئة الاعمال الحربية وتحريك القطعات العسكرية الا ان الضابط البريطاني استطاع اقناع ملك ياقو للحضور امام متصرف الموصل والتعهد بحفظ الامن والنظام وهذا ما حصل الا ان الحكومة استمرت باجراءاتها العسكرية فشكلت قوة عسكرية اطلق عليها اسم (عماد) تتكون من قطعات الحروب الجبلية وقطعات من المشاة وقوة الشرطة السيارة انيطت قيادتها بالعقيد بكر صدقي وكان من مساعديه النقيب اسماعيل عباوي حيث في 10-11 /تموز /1933 عقد اجتماع بين ممثل انكلترا وممثل عن الحكومة العراقية وبعض الاشوريين المؤيدين للبطريرك لمار ايشاي شمعون لتوطين الاشوريين في بعض مناطق دهوك والموصل ومن لم يرضى منهم بتلك الخطة عليه مغادرت العراق كأن العراق ملك لهم !! ونحن غرباء والتاريخ اليوم يعيد نفسه لكن بطرف وخطط جديدة ومشبوهة !! …
ولم يبق لشعبنا إلا خيارين اما القبول أو الرفض لتلك الخطة وهكذا فقد قبل البعض تلك الخطة وسلموا أسلحتهم وواجهوا مصيرهم البائس ورفضها قسم آخر فكان عليه مغادرة العراق ومن بين هؤلاء كانت المجموعات المسلحة بقيادة مالك لوكو و مالك ياقو التي توجهت إلى سوريا في ليلة 14 تموز عام 1933 وقد التحقت بهم فيما بعد مجموعات بشرية كبيرة في الفترة بين 23 – 27 تموز عام1933 في الوقت الذي كان البطريرك مار ايشاي شمعون آنذاك معتقلا ً في بغداد و من هناك وجه برقية إلى عصبة الأمم جاء فيها ( إن وضع الآشوريين متدهور ويجبرونهم على اجتياز الحدود السورية أنا معتقل من قبل السلطات العراقية فلتتدخل العصبة في الأحداث) لكن عصبة الامم لم تتدخل وقد شجع ضعف موقف عصبة الأمم السلطات العراقية المجرمة على حشد أكبر عدد ممكن من القوى لمهاجمة شعبنا وارتكاب أبشع المجازر بحقهم وتم إطلاق دعوات الجهاد المسعورة ضد الآشوريين الكفار !! على حد وصف السلطات العراقية الشوفينية .
اعلان الجهاد ضد الاشوريين
اخذت وسائل الاعلام العراقية بتوجيه من السلطات العراقية بنشر اخبار كاذبة ومشبوهه ومخادعة تفيد بان الاشوريين بدأوا بالحرب ضد العراق فأعلن الجهاد في اب 1933 ضد الاشوريين وطلبوا من العرب والبدو والاكراد المشاركة في هذا الجهاد.
فأخذت المعارك تشن على القرى الاشورية المسالمة فتعرضت قرى العمادية ودهوك وشيخان والموصل وغيرها الى قتل وسلب ونهب وابيدت اكثر من ستين قرية من القرى الاشورية في شمال محافظة دهوك بطريقة الابادة الجماعية !! وفي ظل هذا الوضع الماساوى نشرت السلطة خبر في المنطقة مفاده بان على الاشوريين الذين لا يقاومون الحكومة مغادرة اماكنهم والتجمع في قرية سميل القريبة من دهوك ليتمتعوا بالحماية الحكومية !!
كانت الحكومة التي يرأسها رشيد عالي الكليلاني قد بدأت بحمله رسمية وشعبية لتعزيز موقفها امام الشعب وذلك بتهيئة الراى العام على ضرورة الاقدام للقضاء على الاشوريين والتخلص منهم ففي الفترة من 1 الى 14 من شهر تموز 1933 نشرت اكثر من ثمانين مقالة رئيسية في الصحف العراقية تنادي بالقضاء على الاشوريين وفي شهر اب 1933 ايضا نشرت الصحف المجلية اكثر من 230 مقالة مهنية تدعو جميعها لتخليص البلاد من الاشوريين بالاجهاز عليهم حيث ادت اعمال نهب وهدم دور الاشوريين وقتل سكانها الى هجر فلاحي المزارع المجاوره وترك مساكنهم والتشرد في الطرقات وبدأت منذ يوم 6 / اب / 1933 اعداد كبيرة من الاشوريين رجالا اغلبهم مسنين ونساءا واطفال الدخول الى قرية سميل والالتجاء الى مخفر الشرطة طلبا للامن والسلامة والنجاة !
وقد طمأنهم عريف المخفر الى ذلك فاقاموا محيطين به حتى 7 اب اذ بدات الشكوك تساورهم وهم يشاهدون عودة العشائر لنهب وحرق ما تبقى من دورهم ثم تحققت مخاوفهم حين دخلت القرية صباح ذلك اليوم وبصورة سرية قوى عسكرية منتظمة برشاشات من الجيش العراقي وما لبثت ان فتحت نيران رشاشاتها وحصدت جميع المجتمعين في القرية حيث بعدما انتهت القوة العسكرية من مهامها عند الظهيرة امتطت سياراتها العسكرية وعادت ادراجها من حيث اتت تاركة الارض سابحة في الدماء ومغطاة بالجثث الملقاة في العراء انها مذبحة سميل التي راح ضحيتها اكثر من 5000 شهيد من ابناء شعبنا الاشوري والتي ارتكبت من قبل الحكومة العراقية بدم بارد .
استشهاد قداسة البطريرك مار ايشاي شمعون
بعد مجزرة سميل الدموية سيئة الصيت والسمعة بحق شعبنا الاشوري عاما 1933 اقدمت الحكومة العراقية على نفي قداسة البطريرك مار ايشاي شمعون وعائلته الى جزيرة قبرص وسحب الجنسية العراقية منه ومن ثم انتقل قداسته إلى مدينة شيكاغو بولاية الينوي الامريكية سنة 1940 حصل على الجنسية الأميركية عام 1949 وانتقل بعدها إلى مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا عام 1954 اما استشهاد قداسته فكان على يد المجرم دافيد ملك إسماعيل أمام منزله في مدينة سان هوزيه في ولاية كاليفورنيا بتاريخ 6 تشرين الثاني عام 1975 حيث كان بطريركا لكنيسة المشرق الاشورية لغاية يوم إستشهاده .
وبعد استشهاده انتخب السينودس المقدس لكنيسة المشرق الاشورية قداسة (مار دنخا الرابع) بطريركا جديدا وكرّس في 17 تشرين الأول 1976 وانتهى نظام حارس الكرسي بسبب تغير الظروف والمرحلة.