ميشال شيحا (1891 – 1954) واضع دستور استقلال لبنان عام 1926 بالتعاون مع بترو طراد وعمر الداعوق. لا تزال أفكاره السياسية والفلسفية تؤثر على مسيرة لبنان الاقتصادية والسياسية. كتب ميشال شيحا في ثلاث قضايا: لبنان، فلسطين، وحالة العالم في زمنه.
ولد ميشال شيحا في بلدة مكين من قضاء عاليه في جبل لبنان وهو آشوري الأصل من ابناء الطائفة الرومانية الكاثوليكية اي اللاتين ( انظر كتاب تاريخ لبنان الحديث لكمال صليبي ص 212). تابع دراسته الابتدائية والثانوية في مدرسة الآباء اليسوعيين في بيروت واستكملها في جامعة القديس يوسف. سافر كثيراً ولا سيما إلى انكلترا حيث أجرى تدريباً في دار تجاري في مانشستر. إنضم إلى أخواله آل فرعون في بيروت فعمل معهم في بنك فرعون وشيحا الذي أسسه والده أنطوان في العا م 1876.
في العام 1915م استقر في القاهرة هرباً من الاضطهاد العثماني حيث درس الحقوق. وبعد هزيمة ألمانيا وتفكك الامبراطورية العثمانية، بادر ميشال مع آخرين إلى تمهيد الطريق لإقامة لبنان حرّ مستقل. في عام 1918 عاد ميشال شيحا إلى لبنان حيث راح يدير أعمال العائلة وخاصة بنك فرعون وشيحا.
في الأول من أيلول 1920، أعلن المفوض السامي رسمياً قيام دولة لبنان الكبير. أقام ميشال شيحا علاقات وثيقة مع روبرت دوكاكس الذي كان المساعد الأساسي للمفوض السامي الأول، هنري غورو. اضطلع دو كاكس منذ وصوله وحتى العام 1923 بدور ناشط جداً في مجال وضع قوانين الدولة اللبنانية الجديدة ومؤسساتها. ويمكن التأكيد أنه كان لمحادثاتهما الطويلة والمنتظمة حول مسألة لبنان التي تطرقا إليها من جوانبها المختلفة، بما فيها علاقة الجوارمع سوريا، أثر كبير لدى إعلان دولة لبنان الكبير ورسم حدودها وإنشاء مؤسساتها الأولى.
في 1925 انتخب نائباً عن مقعد بيروت للأقليات بعد فوزه على أيوب تابت. كان ميشال شيحا عضواً في لجنة مؤلفة من 13 عضواً وهي لجنة اعداد القانون الأساسي التي كلّفت لاحقاً إعداد مسودة الدستور اللبناني. في عام 1937 إشترى جريدة “لوجور” مع مجموعة من الأشخاص واشتغل بالصحافة. ويعام 1940 ساهم في إنشاء بورصة بيروت وأسس صحيفة باللغة الإنكليزية بعنوان “ايسترن تايمز”. متزوج من مارغريت، الإبنة الكبرى لفيليب فرعون ورزقا ثلاث فتيات: ميشلين (توفيت في العام 1940)، مادلين وماري كلار. توفي ميشال شيحا في 29 كانون الأول 1954.
آمن شيحا بأن العِلم والشِّعر توأمان لا ينفصلان. وقد قال في مقالة “حَول الشِّعر” في 7كانون الأول1943 : ” الشِّعر قبل أي شيء آخر ليس ثمَّة أهمّ منه، ولا أشدّ ضرورة في هذا الوقت. فالقبح يغمر وجه الأرض كالبرص”. ويضيف: ” فما عسى يكون حالنا بلا الشِّعر الذي هو صلاة، الذي هو موسيقى، الذي هو جمال، الذي هو حبّ، الذي هو عقل، الذي هو نور!” والشعر الحقيقي كما يُحّدِده شيحا هو”.التوافق بين نغم الأصوات ونغم المشاعر والصور والأفكار، وائتلاف لا يُنتظر، ونشوة تعمّ الكائن كله. إن قرنًا من الزمان لا شِعر فيه لَهو قرنٌ ضائع، وحضارة لا شِعر فيه فيها لمصيبة عالمية” وهذا ما يفسّر إعجابه “بباسكال” الذي كان عالِماً في الرياضيات والفيزياء وفيلسوفًا مفكرًا وشاعرًا في الوقت عينه.
وقد اتّبع ميشال شيحا منهجيّةَ علميّةَ لإبراز شخصيّة لبنان وحضوره ودَوره في العالم. فارتكز في مقالاته على الحقائق والوقائع التاريخية والثوابت الجغرافيّة وأسُس الأنتروبولوجيا والسوسيو-ثقافة التي من خلالِها رسَم سِمات الشخصيّة اللبنانية الفريدة وخصوصيّتها. فلبنان بلدٌ صغير في الجغرافية والديمغرافيا ولا يمكنه أن يعوّضِ عن ذلك إلا بالنوعية والوحدة وهو القائل: “البلدان الصغرى تعرف من نوعية الرجال الكبار” وإذا كان الالتزام يعني النضال في سبيل قضية معينة والدفاع عنها فشيحا التزم بالقضايا اللبنانية التزامًا مطلقًا. فكان يُضيء على الحَدَث المحلي أو العربي أو العالمي ثمّ يحلّل ويعلّل ويستنتج تأثيره وتداعياته في الوضع اللبناني، فغَدَت مقالاته دروسًا وأمثولات قيّمِة في مجالات الاقتصاد والسياسة الداخلية والخارجية واحترام الدستور والقوانين وبناء المؤسّسات وحبّ الوطن وهو القائل: “في ظلّ دستور كدستورنا هو أحد اشدّ دساتير العالم تكريسًا لقوة السلطة، إرادي بقدر ما هو ديمقراطي، الحكم يكون رهن إرادة الرجال لا ملاحة القوانين” ويؤكد شيحا : “يهمّنا أن. يتجهَّز لبنان، وتُشاد فيه العمارات الجميلة، وتُشَق الطرق الوسيعة الطويلة، وتصبح في متناوله كل مظاهر التقدم المادي ولكن ما يهمّنا أكثر من ذلك أن يكون في لبنان إنسان”. ويبدو جليّاً تعلّقه بالأرض فيقول: “يجب علينا التشبّث بالتراب وردّ الاعتبار للأرض وأن نحبّ الفلاّح ونحّب معه الأشجار ومياه الينابيع والحقل والبستان. يجب علينا أن نغمس نفوسنا في عظمة هذه الطبيعة التي تحرّمِ علينا الصِغارات”. وفي مقالة عنوانها حبّ الوطن يقول شيحا: “إن حبّ الوطن، كما قيل لنا سِتّ مرّات، واجبٌ علينا؛ بل ضرورة تكوينية بنوع ما. لأن أبهج المناظر، حيثما كانت لا تعزينا في بعدنا عن أرواح جدودنا الحامية لنا؛ ويا ما أفظع عقاب إنسان بنَفيهِ عن وطنه!”
قال في كتابه “السياسة الداخلية”: “لبنان هو دولة عريقة بدروس الماضي القوية التي يمكن اتخاذها قاعدة. فبالرغم من بعض الفروقات الظاهرة، إن لبنانيي اليوم هم ذاتهم لبنانيو الأمس وقد لا نتمكّن من تغيير مجرى الأحداث ما لم نثابر على تجاوز المخاطر من خلال فعل متجدد من الإرادة والجرأة والإيمان. “تقضي مهمتنا الأولى بأن نصون في بلادنا ما للحرية والروحانية والتسامح والاستقلال من وجه نيّر وعذب ونبيل”.
قال عنه فخامة الرئيس شارل حلو “ميشال شيحا هو الاسم الآخر للبنان “.