لنذهب وايامكم اليوم الى اكبر جمهورية من جمهوريات روسيا من حيث مساحتها هي ياقوتيا. وتشغل ياقوتيا نصف اراضي سيبيريا الغربية وكل اراضي سيبيريا الشرقية تقريبا. ويقع الجزء الاكبر منها وراء دائرة القطب الشمالي، وهو يطل على بحار المحيط المتجمد الشمالي. وإن مساحتها تعادل مساحة ثلاثة بلدان كمصر وتشمل اراضيها الشاسعة ثلاثة احزمة للتوقيت. ان مركزها الاداري هو مدينة ياقوتسك التي تبعد عن موسكو العاصمة مسافة حوالى خمسة آلاف كيلومتر. اما عدد سكانها فلا يناهز مليون نسمة.
ان ياقوتيا من الاقاليم الروسية التي تتميز بالظروف المناخية القاسية. يكفي القول ان قطب البرد يقع في اراضيها بالذات. وفي منطقة مدينة ايمياكون تصل درجة حرارة الجو شتاء الى اثنتين وسبعين واثنين بالعشرة درجة تحت الصفر. اما الصقيع والبرد بشدة ما بين 40 و50 درجة تحت الصفر، فهذا ظاهرة عادية مألوفة بالنسبة لياقوتيا.
ان ترتبها في كل اراضيها تقريبا هي منطقة التجمد الازلي، تظل هكذا حتى في الصيف حيث تبلغ درجة الحرارة احيانا 30 درجة فوق الصفر. لهذا السبب بالذات بقيت في باطن ارضها وكأنها ثلاجة طبيعية حتى ايامنا هذه هياكل حيوانات عاشت هناك من آلاف سنين خلت وانقرضت في سير عملية التطور، منها مثلا حيوان المموت.
لقد فوجئ ملايين الزوار للمعرض العالمي في اليابان في عام 2005 بمشاهدة معروضات عجيبة هي رأس مموت عملاق، يزيد طولها عن ثلاثة امتار، لها انياب وعينان وبغطاء جلدي وشعري. ان عمر هذا الحيوان 18 الفا وستمئة سنة، كما يؤكده العلماء الذين عثروا عليه في اراضي ياقوتيا منذ عدة سنين. فاصبح من المعروضات المثيرة للاهتمام في المعرض العالمي في عام 2005.
ان شعب ياقوتيا الاصلي هو الياقوتيون او شعب ساخا، كما يسمونهم بانفسهم. انه اكبر شعوب الشمال الاقصى من حيث عدد افراده ينطق ابناءه باحدى اللغات التركية الاصل. والى جانب الياقوتيين تسكن في هذه الاماكن شعوب اصلية صغيرة اخرى من الايفينك واليوكاغير وغيرها.
لقد جاء الروس الى ياقوتيا وبدأوا يستعمرون اراضيها في القرن السابع عشر. وفي عام 1632 اقاموا على ضفة نهر لينا وهو من اكبر انهار سيبيريا حصنا تحول فيما بعد الى مدينة اصبحت مركزا اداريا للاقليم.
اشتهرت ياقوتيا في العالم كله بمكامن ارضها وهي غنية بالماس والذهب وكذلك بفرائها الثمينة. لقد اكتشفت مصادر الذهب هناك على نهر آلدان في اوائل القرن العشرين. وسرعان ما وصل حجم استخراج الذهب الى ستة اطنان في السنة. اما اليوم فتعدى 22 طنا. ويستخرج الذهب وهو عبارة عن قطع صغيرة جدا في مجرى الانهار وروافدها. وإن مكامنه هنا كثيرة. واكتشفت ثلاثة جديدة منه في قرننا الحالي.
كما وتعتبر ياقوتيا بلد الماس رغم ان استخراج الماس فيها بدأ منذ نصف قرن. وهناك في اراضيها 150 مكمنا لالماس وثلاثة عشرة منها كبيرة جدا.
وتقوم باستخراج الماس وبيعه شركة آلروسا الروسية التي يقع مقرها في بلدة ميرني حاضرة الجمهورية الماسية. وتتجاوز قيمة الاحجار الكريمة المستخرجة في السنة مليار دولار، نجد بينها احجارا تستعمل في الصناعة والاخرى ثمينة فريدة صالحة لفن الصياغة.
هناك في غابات التايغا الكثيقة العذراء في اراضي ياقوتيا كثير من حيوانات الفرو لدرجة انه قد يبدو لاول وهلة انه لا داعى لتربيتها لكن صيد الحيوانات لو بلغ ابعادا كبيرة قد يؤثر سلبيا في تنوع المنطقة الطبيعي واصالتها البيولوجية. ولذلك بالذات يقومون في مقاطعة ياقوتيا بتربية الحيوانات ذات الفرو الثمين، اي المنل والثعالب السوداء الفضية والبيضاء الشمالية.
اعمدة ليناهنالك في ايقوتيا آثار حضارية ذات اهمية عالمية. وعلى طول نهر لينا تمتد مسافة 40 كيلومترا صخور غريبة الاشكال، تشبه اعمدة وتسمى في الحقيقة باعمدة لينا. وعليها رسوم نفذت بالصبغة الصغراء المعدنية الاصل، تصور الانسان والحيوانات. وإن عمر الرسوم عدة آلاف من السنين.
اما ملحمة اولونخو للشعب الياقوتي فتعتبرها منظمة اليونيسكو تحفة من التراث الادبي العالمي. وفي الجمهورية مركز ثقافي اسمه دار اولونخو يتلو فيه الرواة مقاطع من الملحمة وتجرى حفلات ويتعرف الشباب على اساطيرها.
كما وتدهش الجميع بجمالها وتعجبهم مصنوعات من العظم، نجد بينها صندوقا صغيرا وخاتما وقلادة، يجغرها الحرفيون الياقوتيون بمهارة من انياب فيل البحر.