Home / Articles / الثعالب الصغار، المفسدة للكروم

الثعالب الصغار، المفسدة للكروم

ليس مهماً أن نعرف ضرر الثعالب الصغار التي تتسلل الى الكروم، لكن الاهم أن ندرك ان هذه الثعالب لا تبقى كذلك، فمع مرور الزمن ستنمو وتكبر ويزداد حجمها ودهائها لتفعل ما لم تستطع القيام به وهي في مقتبل عمرها.
في دلالة الى الاخطاء أو الخطايا الصغيرة التي نهملها، ونظن ان لا مجال لمقارنتها بالخطايا الكبيرة، كخطايا الفكر واللسان، مثلاً، من أكاذيب بيضاء، كالحسد، الغيرة، أو الملذات الصغيرة التي لا نشعر بمفسدتها لطهارتنا، يقول الحكيم سليمان “خذوا لنا الثعالب، الثعالب الصغار والمفسدة للكروم لان كرومنا قد أقلعت” (نش15:2)، في اشارة الى ضرورة الحذر من صلصال هفوات الذات الصغيرة، وحراسة أبواب الجسد منها لانها قد تترسب فينا وتتحول الى احجار ثقيلة، تثقل جناحي قاصدي الارتفاع، في جبال الروح.
كم من مرة اغفلنا تأثير الاخطاء الصغيرة فينا، وتمنينا بعد ان ندمنا على فعلها، وإكتوى أخضرنا، يابسنا ومستقبلنا بها، وبعد ان عرفنا ان لا قدرة لنا على اصلاحها، عودة عقارب الساعة الى الوراء، لنسد بها رشح الجدران الخلوية الرطبة، التي تسربت منها الى حياتنا.
كم من ثقب صغير، حطم سد كبير وجعله قبض ريح لا وزن له بعد ان تجبَّر على النهر لعقود من الزمن، بسبب اهمال القائمين عليه، لشقوقه الصغيرة، لينهار السد، رغم انه لم يكن هناك مطر غزير من السماء، او فيضان جارف في النهر!
حرائق المستقبل، مرتبطة بشرارات صغيرة في الماضي، كان يلهو بها الفرد ويتكاسل في اخمادها، فالخطايا المجهرية الصغيرة المزروعة في فكر الانسان وان كانت معدودة، هي خطايا سامة قادرة على التأثير في جهازنا المناعي الروحي، وتعطيل آلياتنا الدفاعية ضد تجارب الحياة، فتتحول الى خطايا صامتة، قاتلة.
قد يكون الكذب أو الشهادة الباطلة، أقل شراً من الاغتصاب والقتل، الا انه أولاً وأخيراً، يعتبر كسراً للوصايا وتمرداً على المشيئة الإلهية. فالقتل لا يحصل، الا إذا تولدت أولاً، مشاعر الكراهية والبغض في الفرد، تجاه آخر. والكذبة البيضاء التي يُـطلق لها العنان، تبني بيتها رويداً رويداً في مخيلة الفرد، لتقود صاحبها يوما الى شهادة زور ضد الآخر.
قائمة الاشياء الصغيرة التي ان شب الانسان عليها شاب عليها، تطول، وما يهمنا هنا طرق التحري عنها وتجريد حياتنا من كل ما علق بها من خدوش نتيجة احتكاكها بجدران برزت منها نتوءات صغيرة مدببة في الحياة، وان بدت لنا تافهة. تناسي الصدق أحد نتائج الادمان على الكذب الابيض، فالقطة قطة، ان كانت بيضاء او سوداء، والكذبة كذبة ان كانت ايضاً بيضاء او سوداء، واللص لص سارق، ان سرق دولاراً واحداً او ألف.
ثعلب السرقة في الصغر، يلد ثعلب الاجرام في الكبر، وثعلب النظرة الشريرة، يلد لنا الزنا (مت 5: 28)، فمن شبَّ على الصفاء والامانة في فترة طفولته، تعلم العدالة بدون أدنى جهد لينشأ الفرد مدافعاً عن الحق، لا يصفق للباطل، ومن شبَّ على السخرية والكذب والدهاء، شاب على الاستهزاء وعدم احترام الاخرين في حياته فيبرز كاذباً، سارقاً وحزيناً وان استعرض عضلات الأمانة والسعادة امام الآخرين.
التعاليم المضللة لمعلمين كذبة، ثعالب صغار أخرى نصادفها في حياتنا، لان كلماتها المعسولة، تخفي أحرف مسمومة قاتلة بين طياتها، والادهى ان هذه الثعالب أو الذئاب، تدخل الينا بثياب حملان (مت 7: 15). الحقائق الباطلة تتطلب التنكر بزي الفضيلة، كما تتنكر الشهوة بثياب الحب عند الانسان الخاطئ. علينا الحذر من هذه التعاليم، لان الذئب لم يَـهُـمَّ بأكل ليلى الا بعد أن تنكر بثياب جدتها!!
حبل النقائض من حولنا على الجرار، فرحلتنا الايمانية تتطلب وعلى الدوام اكتشاف الثعالب الصغار في حياتنا، على شكلها وأقنعتها وطرق تسللها الينا، وان لا نهملها منذ لحظة دخولها الى كرومنا، لأنها تتكاثر فينا بمنأى عن الانظار، وهذه الخطايا الصغيرة وان بدت لنا تافهة، هي ام الخطايا الكبيرة، فملعقة طعام صغيرة واحدة من خميرة فاسدة، قادرة على تخمير أحواض عجين كبيرة، خلال ساعات، لتكسبها طعمها ورائحتها الكريهة، فلنحذرها لكي لا يقال لنا يوماً ” يا صاحب، كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟، فنسكت!! (مت 22: 11)، ولنتفحص أفكارنا، نظراتنا وقلوبنا في كل شيء نقوم به، ولنطهرها من الثعالب الصغار المفسدة، فمن القلب “تنبعث المقاصد السيئة والقتل والزنى والفحش والسرقة وشهادة الزور والشتائم” (مت 15: 19)، ومن “فضلة القلب، يتكلم الفم” (لو 6: 45)، الانسان الصالح يخرج الصالحات من كنزه الصالح، فلنحفظ قلوبنا من الثعالب الصغار ” لأن منه مخارج الحياة” (أم 4: 23 )، والا سنتشبه بأولاد الافاعي، نتكلم بالصالحات ونحن أشرار ( مت 12: 34 )!.
القس شموئيل القس شمعون.

Check Also

القتل الرحيم.. من المنظور المسيحي والإنساني

موضوع اجتماعي وواقعي وبغاية الاهمية, وكثير منا لا نعطيه حقه لأننا لم نمر بهذه الحالة …

Leave a Reply

Your email address will not be published.