Home / Articles / بين تصميم هيكل اورشليم وتصميم هيكل كنيسة المشرق

بين تصميم هيكل اورشليم وتصميم هيكل كنيسة المشرق

ايمان كنيسة المشرق الحلقة الخامسة
بين تصميم هيكل اورشليم وتصميم هيكل كنيسة المشرق
الشماس نينب رمزي

مما لا شك ابدا ومن دون ان نجزم تأثير الشعب الاسرائيلي على الايمان المسيحي بشكل عام وعلى كنيسة المشرق بشكل خاص جدا فاليوم نحن نتطرق الى واحدة من مجموعة اشياء مؤثرة, فكما نلاحظ التأثير الهيليني (اليوناني) على حضارة اليهود نتيجة الاحتلال الثقافي والتراثي الذي حدث من الاسكندر الكبير ثلاثة قرون قبل مجيء المسيح حتى 50 سنة قبل مجيئه حيث سيطر الرومان بحملة عسكرية انطلقت من سوريا ولم يجلبوا معهم سوى الخراب وفرض القوة والضريبة على الشعب اليهودي حيث اهلكته تماما مما جعلهم ينظمون حملات ثورية ضدهم منهم المكابيون والحشمونيون حتى سيطروا على مناطق كثيرة منها اورشليم نفسها.
نعود لنسرد بشكل مختصر كيف فرضت الثقافة الهيلينية نفسها بواسطة الاسكندر الكبير حيث اغنت حضارته وبشكل كبير البقعة الجغرافية الممتدة تحت سيطرة اليونان (بلاد الشام ومصر) فالنقد التاريخي لا يذكر اي تأثير قبل ذلك سوى بعض التبادلات التجارية بينهم فاللغة مثلا فرضت نفسها مما جعلت الكُتاب والمثقفين اليهود يترجمون العهد القديم الى اليونانية ليصل يهود المنفى في مصر والذين كانوا قد تأثروا بشدة لتغيير اللغة (لهذا نجد اسفار يونانية بين ايدينا اليوم!) وهي نفسها التي تُرجمت ليهود المنفى والبعض منها تم اكتشافه بعد اغلاق الكتاب المقدس وعدم اضافة اي سفر اخر.
هيكل اورشليم كان ومنذ القدم مركز حياة بني اسرائيل الدينية والسياسية والاجتماعية هذا كان احد الروابط التي نرى من خلالها مدى تأثر كنيسة المشرق بقيادة الشعب روحيا واجتماعيا لا بل حتى سياسيا في القرون الاخيرة !,هيكل اورشليم والذي كان اخر خراب له عام 70 بعد المسيح حيث تنبئ رب المجد نفسه عن هذا الخراب قبل ذلك بأربعين عام!حيث كان قد وصل الى ابهى صوره في تلك الفترة على يد هيرودس.
هيكل سليمان هذا ما عُرف به هيكل اورشليم لانه بُني على يد سليمان نفسه و هُدم عام 584 ق.م على يد نبوخذنصر فترة السبي البابلي ولكن بعد العودة لاورشليم من السبي اعاد اليهود بناء الهيكل على يد عزرا ونحميا فجاء متواضعا وسُمي (بهيكل اورشليم الثاني) سنة 515 ق.م و في عهد هيرودس (عهد المسيح تقريبا) تم تدشينه واعادة هيبته لنلاحظ كيفية وصفه في النقد التاريخي عندما كان يسوع فوقه يجربه الشيطان.
لكي لا نُدخل قرائنا الكرام في تفاصيل معقدة سنأخذ اوجه التشابه ومدى تأثرهيكل كنيسة المشرق بهيكل اورشليم نتيجة وصول رسل المسيح الى اراضي بلاد الرافدين فهذا الشيء ليس بالغريب نهائيا ليتم اخفائه او انكاره فبشهادات التاريخ الذي يقول ان الاشوريون والبابليون اعطوا كامل الحرية لليهود اثناء سبيهم ليقيموا صلواتهم وعباداتهم لا بل حتى انهم بنوا هيكلا مقاربا لهيكل اورشليم حيث كان الهيكل بالنسبة لهم مركز كل شيء (الصلوات, التجمعات, التنظيم, وما الى ذلك بخصوص حياتهم الاجتماعية) فاليهود عُرف عنهم تنجسهم بأي عبادة وثنية او اختلاط عرقي ان كان بابلي آشوري او حتى فيما بعد روماني يوناني بعد العودة من السبي لهذا نرى تقوقعهم للحفاظ على التقليد التوراتي البحت وهذا نقل لنا نفس التقاليد والافكار والتراث حيث ان نسبة منهم لم يعودوا بالاصل لأورشليم وظلوا في بلاد بابل وآشور فحصل اختلاط كبير ونقل ثقافات وافكار.
هيكل اورشليم او هيكل سليمان! ينقل لنا يوسيفوس فلافيوس بوصفه: جُعل فيه كل شيء ليؤثر في قلب الانسان وعينه, غُطي من جهاته الاربع بصفائح من الذهب فعكس نور الشمس بقوة اجبرت الناظرين اليه ان يحولوا عنه اعينهم كما عن شعاع الشمس, اما الغرباء الآتون من بعيد فكانوا يرون امامهم جبلا من الثلج بسبب الرخام الابيض!, شعور بالجمال وشعور بالعظمة امام بناء يقوم في ساحة طولها 480 مترا وعرضها 300 مترا حول برج يرتفع الى الخمسين متراوفيها رواقان عظيمان يقيم فيهما تجار الغنم والزيت والبقر والطحين وكل ما هو ضروري لاقامة الشعائر الدينية حيث لا يدخل غير اليهود فيه و غير المختون والا كان نصيبه الموت لهذا اتهم اليهود الاسينيون بولس انه ” ادخل اليونانيين الى الهيكل ودنس المكان المقدس” (أع 28:21)؟
يدخل المؤمن الى المكان المقدس فيجد تسعة ابواب اربعة الى الشمال واربعة الى الجنوب وواحد الى الشرق وكلها مطعمة بالذهب والفضة ماعدا الباب الجميل(أع 2:3) المصنوع كله من النحاس المطروق.
الشبه الاول: (الاروقة!) كان يوجد رواق للرجال ورواق للنساء بينما يحيط المذبح رواق خاص بالكهنة!.
الشبه الثاني: (المذبح!) وهو عبارة عن مربع في نهاية الهيكل فيه قدس الاقداس وهو مكان تابوت العهد و الذي اليوم تعتبره كنيسة المشرق هو القبر الفارغ المقدس ليسوع المسيح والذي تقام عليه الذبيحة الالهية (جسد ودم الرب) بينما اليهود يذبحون عليه عجل غير معيوب نهائيا والذي في المسيحية يعتبر يسوع الفادي لكل الامم.
الشبه الثالث: (السِتار!) وهو الذي كان يفصل بين القدس وقدس الاقداس في هيكل اورشليم! هذا الستار تستخدمه لليوم كنيسة المشرق بنصفين رمزا على انشقاق ستار هيكل اورشليم عند موت المسيح على الصليب!.
الشبه الرابع: (القاعات المحاذية لقدس الاقداس!) وهي نفس التصميم مع اختلاف في المبدأ قليلا فالقاعات كانت تحوي محاكم سنهدريم وكذا قاعة لحفظ مواد الشعائر الدينية كالزيت والحطب بينما في كنيسة المشرق تحوي مواد الذبيحة الالهية وقاعات للكهنة وما الى ذلك.
الشبه الخامس: (الدرجات!) وهي التي كان يصعدها الكاهن ايضا وصولا لقدس الاقداس وهي الدرجات التي ترمز في كنيسة المشرق الى الرتب وصولا لرتبة الكهنوت.
الشبه السادس: (قدس الاقداس!) لا يدخله احد سوى الكاهن! يلبس لباس خاص وهو موضع مجد الله ولا يحق ان يدخله الانسان العادي كونه نجس بنظر اليهود ونجاسته تنتقل لكل من يقربه والطاهر هو وحده من يقرب قدس الاقداس وهو الكاهن!.
الشبه السابع: (الشعائر!)
– قراءة من العهد القديم (نفسها تقام في كنيسة المشرق).
– الطلبات وعددها 18 من التلمود اليهودي وفيها ترديد للجموع بآمين (توازيها الكاروزوثا في كنيسة المشرق).
– قراءة من التوراة اي اسفار موسى الخمسة (توازيها قراءة من العهد الجديد في كنيسة المشرق والذي لا يؤمن به اليهود).
– قراءة من الانبياء.
– عظة تتوافق مع معنى العيد او المناسبة.
– المزامير.

الشبه الثامن: (الرُتب!)
– رئيس الكهنة: ويوازيه في كنيسة المشرق الاسقف وهي تعتبر اعلى رتبة مع العلم ان ان التسميات (البطريرك, المطرابوليط, وحتى البابا في الكنيسة الكاثوليكية) هي تسميات اعلى اداريا فقط بينما الاسم الحقيقي لهم هو اسقف وهي اقدم تسمية لرؤوساء الكنائس الرسولية بينما الالقاب الادارية الاخيرة ظهرت في القرن الرابع والخامس فما فوق.
– الكهنة: وهي نفس التسمية التي تطلق اليوم على من له الحق في اقامة الذبيحة الالهية في كنيسة المشرق وهو نفس الدور الذي كان يقيمه الكاهن اليهودي بذبيحة حيوانية الا ان لقب الكاهن كان متوارثا عند اليهود من الاباء للابناء.
– اللاويين: ويوازيهم في كنيسة المشرق الشمامسة وعملهم خدمي ومساعدة الكهنة في اقامة الذبيحة الالهية من ناحية التحضيرات وانشاد الموسيقى.
– الكتبة: اي المساعدين للشعب والمفسرين لهم من الشريعة والتقاليد الشفهية ولباسهم خاص وهي فئة تشابه الى حد كبير رتبة (الهوبذيقنا) في كنيسة المشرق.
– الشيوخ: وعملهم كان اداري مالي وهنا التشابه بينهم وبين الطبقة الادارية في الكنيسة بشكل عام.
– الشعب
الى هنا نتوصل الى كمية من التشابهات التي لم تأتي على صعيد الصدفة مع العلم ان اغلب الكنائس الرسولية تمتلك الكثير من هذه الصفات والتصاميم الا ان كنيسة المشرق بحفاظها على التقليد الرسولي الاول كما وصلها جعلتها الاكثر عراقة والاكثر حفاظا على التقاليد الرسولية الاولى ما توضح جليا اوجه التشابه الكبيرة بين تصميمها الفني والمعماري والاداري بينها وبين هيكل اورشليم مع تقديسها بكلمة المسيح حيث اصبحنا بها شعبه الاوحد دون من لا يؤمن به.
المصادر:
– الكتاب المقدس ,الطبعة اليسوعية, دار المشرق.
– بولس الفغالي, دراسات بيبلية 4, الاناجيل الازائية “متى- مرقس- لوقا”.
– بولس الفغالي, المجموعة الكتابية, المدخل الى الكتاب المقدس ج4 وج5.
– سلسلة كتب الليتورجيا للمطران جاك اسحق.

Check Also

الثعالب الصغار، المفسدة للكروم

ليس مهماً أن نعرف ضرر الثعالب الصغار التي تتسلل الى الكروم، لكن الاهم أن ندرك …

Leave a Reply

Your email address will not be published.