الحاجة الى “مسيحانية نسطورية” اليوم
غبطة المتروبوليت د. مار افرام موكن
إن علاقة النسطورية بالموضوع من اجل الحاضر هو تقدير ناسوت ربنا. إن اصراراً كهذا كان ضروريا في زمن نسطور بسبب تأثير الابوليناريين. إن له نفس الصلة اليوم. يقول G.L Prrestige: “يتطلب الفداء استجابة بشرية وتقديرا بشرياً، لقد قدم الله نفسه اداة بشرية تامة لقيادة الاستجابة وواسطة بشرية تامة لنقل وسائل الحيازة.”
يجادل دونالد بيل قائلا انه اذا كانت طبيعة يسوع المسيح البشرية تفتقد شخصاً بشرياً (محوراً بشرياً، فردا واصلا للهوية) فهي غير كاملة. يبين سيريل ريتشاردسون في مقالته “مقدمة للمسيحانية” بأن النساطرة وحدهم هم الذين يستطيعون الاجابة على السؤال. “في اي الوجوه تقع حقيقة تجربة المسيح؟ في اي الوجوه توجد حريته البشرية”؟ إن لمسيحانية كنيسة المشرق صلة بالازمنة الحديثة بسبب تعليمها للطبيعة البشرية التامة. إن المسيح النسطوري هو واحد كان خاضعا لشروط حياة القرن الاول، خاض تجربة، انتصر واطاع وبذلك كان مثالا تاماً للبشرية في كل امة وفي كل الازمنة.
إن الحاجة لمسيحانية نسطورية تصبح امرا لا مناص منه عندما نفكر بالمقام الاعظم الذي نسب لمريم العذراء في كنيسة روما الكاثوليكية. يجب عدم اغفال الخوف الذي عبر عنه نسطور من استعمال Theotokos والدة الاله. وإن واحدا من الاسهامات الايجابية لنسطور هو عرضه للخطر المحتمل من استعمال هذا اللقب.
بالعودة الى اقدم سجلات التاريخ لم يتحدث احد ضد هذا اللقب قبل عام 428م. مع انه كان مستعملا من قبل بعض الافراد. ربما كان من الممكن له ان يصبح التعبير المعياري لكل المسيحيين لو أن نسطور لم يشن حملة كهذه ضد اللقب. كانت كنيسة المشرق حتى عهد الاصلاح في القرن السادس عشر الكنيسة الوحيدة التي شاركت في قلق نسطور بشأن استعمال Theotokos والدة الاله. منذ الاصلاح، على اية حال يشارك العديد من الكنائس في هذا الموقف وهكذا فإن الموقف الذي تتخذه كنيسة المشرق بصورة فريدة، عبر القرون، له ما يبره.
في هذه الايام، عند صدور اعلانات مثل “الحبل بلا دنس لمريم”، صعود مريم الى السماء، المناداة بمريم ملكة للسماوات، فإن المسيحيين بدأوا يفتحون اعينهم على مخاطر المبالغة في التشديد على اهمية مريم. إن معارضة المريمية المفرطة والتي ظهرت في مجمع الفاتيكان الثاني، وكذلك معارضة الانظومة المنفصلة حول مريم من قبل العديد من الاساقفة في المجلس تظهر انه حتى في كنيسة روما، فإن البعض على الاقل قد بدأوا يرون مخاطر لقب Theotokos. لذلك فإن الموقف الذي شرحه نسطور والذي دأبت كنيسة المشرق على الحفاظ عليه يستحق ثناء المسيحيين.
لقد أقرّ العديد من البروستانتيين بأن المخاوف التي عبر عنها نسطور ازاء استعمال لقب Theotokos والدة الاله كانت مخاوف صحيحة. هذا ما يبرر الموقف القائل بأن المسيحانية “النسطورية” تمت الى الحاضر. لقد تغيرت “صورة نسطور” الى حد كبير في السنوات الاخيرة. فقد برهن Bethun Baker على ان نسطور لم يكن نسطورياً! لقد استطاع Wigram ان يرى الصيغة المسيحانية لكنيسة المشرق على انها متحررة من اية تهم بالهرطقة.
اظهر F.Loof الذي لم يعط كبير اهمية “لمجريات افسس” لعام 431م، تعاطفاً كبيرا مع نسطور ومسيحانيته. ازاء تهمة المثنوية في النسطورية، جادل بأن نسطور اكّد دائماً وحدة شخص المسيح.
إن A.R.Vine، الذي شعر بأنه من المستحيل ادراك معنى مسيحانية Bazzaar of Heracleides، دون “نظام ميتافيزيقي ومسيحاني” قد سعى جاهداً لأن يصوغ نظاماً وذلك عن طريق “العمل الى الوراء والى الامام” وادعى بأنه قد نجح في “نشوء ميتافيزيقية ومسيحانية متوافقة مع ذاتها”. وتوصل الى نتيجة أن: “هناك عناصر في فكر نسطور تعطي نمطاً معيناً في تناول المشكلة المسيحانية. في الوقت الحاضر يتخذ العديد موقفاً، اتخذه Mosheim قبل وقت طويل حتى قبل “اكتشاف” The Bazzar، بأن “النسطورية” هي خطأ في الكلمات لا في الفكر.
لقد ذهب الكاتب الحالي خطوة ابعد. إن مسيحانية كنيسة المشرق، وكذلك مسيحانية نسطور نفسه ليست بعيدة عن الصيغة الخلقيدونية. مع أن الكلمات مختلفة غير أن الفكر هو ذاته الى حد كبير. إن مسيحانية خلقيدونية عي انطاكية في تأكيدها. بمعنى آخر، كانت الصيغة الخلقيدونية نصر “المسيحانية النسطورية”.
في عام 1907، قام وليم ادوارد كولنز، اسقف جبل طارق بأول زيارة اسقفية انكليكانية للكنيسة الآشورية للقاء البطريرك مار بنيامين شمعون بقصد مناقشة تعابير الشركة بين الكنيستين. اثناء المقابلة الممتعة شرح الاسقف كولنز الموقف الانكليكاني فيما يتعلق بالمتطلبات العقائدية فيما لو جعل التواصل بين الكنيستين امرا ممكناً ومتكرر الحدوث. فيما يتعلق بالآشوريين الذين يعيشون في منطقة لم يكن فيها كنيسة لطائفتهم فيجب الا تكون هناك اية صعوبة. يكتب الاسقف كولنز قائلاً:
” ذلك لا يعني بأن علينا ان نطلب منهم ان ينكروا اباءهم، وان علينا أن نطلب منهم أن يراجعوا كتبهم العقائدية أو أن يصنعوا عقيدة ايمان جديدة لأن ما يجب ان نقوله ببساطة وحسب هو: هذا هو الايمان كما نحمله. هل هذا ما تؤمنون به؟”.
بعد ذلك بثلاثة اعوام كتب رئيس اساقفة كانتربيري، الدكتور ديفيدسون، بعد اتخاذ قرار في مؤتمر لامبيث عام 1908 الى بطريرك كنيسة المشرق لتوضيح الشكوك فيما يتعلق بمسيحانية كنيسة المشرق. بعد مداولات مع اساقفته اجاب البطريرك في 13 حزيران 1911، معبرا عن قبول بيان الايمان الذي طرح عليه (the Quicunque vult) على انه يعبر عن ايمان كنيسة المشرق. ارسل البيان بواسطة W.A. Wigram الذي نوه في حاشية مرفقة الى رئيس الاساقفة:
“اجرؤ على الامل ايضا بأن رسالة مار شمعون لنيافتكم ستكفي لابراء هذه الكنيسة من تهمة الهرطقة، هذه التهمة التي وجهت ضدها امداً طويلاً”.
تحققت امنيته، لأن اللجنة التي تم تشكيلها في مؤتمر لامبيث كانت راضية تماماً عن الشرح الذي اعطي لاستعمال تعبير Christotokos والدة المسيح. غير انه مع اندلاع حرب 1914 لم تقو هذه المحاولة للتواصل بين الكنائس على ان تكون مثمرة في الحال، غير ان مؤتمر لامبيث اللاحق، تلقى التقرير من اللجنة والذي جاء به ما يلي:
إن التعبير السائد Theotokos (والدة الاله)، غير موجود في كتب العبادة عندهم، وهو مرفوض في مكان واحد، ومن الناحية الاخرى، يعثر على المكافيء له بمعنى آخر عدة مرات، وهناك امثلة قوية عن اللغة المعروفة – Communicatio Idiomatum.
حتى مشكلة الاثنتين من القنوما Qnoma لم تبد بأنها عائق لهذه اللجنة. يبين التقرير أن:
هناك عبارة واحدة احدثت بعض الارباك، تلك التي تؤكد بأنه يوجد في المسيح بارسوبا واحدة (برسوبون) (شخص)، قنومتان Two Qnome، وطبيعتان Two Natures. إن كلمة قنوما مكافئة لـ Hypostasis “اقنوم” واذا ما استعملت بالمعنى الاخير لتلك الكلمة اي على انها تعني “شخص”، فسوف تنطوي على النسطورية الحقيقية غير أن البحث كان قد اوضح انها مستعملة بالمعنى الاسبق للاقنوم “Hypostasis”، اي مادة “Substance” وهذا ما يجعل العبارة، ان كان فيها اطناب، على الاقل ارثوذكسية تماماً.
اوصى التقرير بشدة أنه اذا تمسكت السلطات “الحالية” لكنيسة المشرق ببيانها الذي اصدرته في 13 حزيران 1911، فلا بد من ان يقوم تواصل عارض. إنه لمن المؤسف ان تقرأ في تقرير مؤتمر لامبيث التالي، والذي تم بعد عقد من السنين، انه “لم يكن من الممكن، بسبب الاوضاع السياسية وغيرها، الحصول على البيان المعتمد الذي تمت التوصية به في عام 1920.
بينما عبر تقرير مؤتمر لامبيث لعام 1948 عن الامل بإمكانية تقوية العلاقات بين هاتين الكنيستين، فإن تقرير عام 1958 قد ذكر فقط الجوانب السياسية والمادية للكنيسة الآشورية. هذا لا يعني أن الكنيسة الآشورية هي على خلاف مع الموقف العقائدي الذي تم شرحه في بيان عام 1911. ولا يعني ايضاً ان الكنيسة الانكليكانية قد “اعادت النظر”. إن مجلس العلاقات الخارجية لكنيسة انجلترا في لامبيث يوافق على هذا الرأي.
هناك كلمة ضرورية حول موقع مجمع خلقيدونية في كنيسة المشرق. يعود للمونسيور شابو Chabot الفضل في المعلومات التي تقول بأن Synodicon Orientale قد شمل مجمع خلقيدونية و “Tome of Leo” على انهما مقبولان رسمياً من قبل كنيسة المشرق. مع أنه لم ينشر نصوص هذه الوثائق في الطبعة، فإن اعلانه بأن هذه الوثائق كانت وثائق مصدقة من قبل كنيسة المشرق قد ادهشت العالم المثقف. إن ويغرام Wigram الذي تكبد عناء التقصي عن هذا الموضوع، كان قادراً على العثور على مخطوطة Synodicon Orientale في الموصل واتفق ان رأى صيغة خلقيدونية فيها. الكنيسة التي تعترف بصيغة خلقيدونية تستحق اعتراف الكنائس الغربية. لقد اتخذت كنيسة انجلترا الخطوة المناسبة في الاتجاه الصحيح.
الترجمة الى العربية منقولة عن كتاب الحوار السرياني
وحقوق النشر محفوظة لدار ماردين